خالد حنفي: التنويع الاقتصادي أصبح هدفًا استراتيجيًا ملحًا للدول العربية
أكد الدكتور خالد حنفي، الأمين العام لاتحاد الغرف العربية، أن التنويع الاقتصادي أصبح هدفًا استراتيجيًا ملحًا للدول العربية، في ضوء التحديات المتزايدة التي تواجه اقتصاداتها التي تعتمد بشكل كبير على قطاعات محدودة، وعلى رأسها النفط والموارد الطبيعية.
وأشار حنفي إلى أن هذه التحديات تتطلب اتخاذ سياسات اقتصادية جديدة تهدف إلى تعزيز التنوع في الاقتصادات العربية، من أجل ضمان استدامتها في مواجهة التقلبات العالمية.
التغيرات في الأسواق العالمية وضرورة إعادة النظر في السياسات الاقتصادية
وأضاف حنفي خلال مشاركته في أعمال المؤتمر العلمي الثامن عشر للجمعية العربية للبحوث الاقتصادية، الذي عقد تحت عنوان (مستقبل الاقتصادات العربية: المربكات المفروضة والإصلاحات المنشودة)، في مركز السياسات من أجل الجنوب الجديد – جامعة محمد السادس متعددة التخصصات التقنية في الرباط، المملكة المغربية، أن التغيرات في الأسواق العالمية وتقلبات أسعار الطاقة، إلى جانب تسارع التطورات التكنولوجية، تفرض على الدول العربية إعادة النظر في سياساتها الاقتصادية.
وأوضح أن هذه التحديات تتطلب من دول المنطقة تبني استراتيجيات طويلة الأمد تهدف إلى بناء اقتصادات متنوعة ومستدامة، قادرة على الصمود أمام الأزمات الاقتصادية العالمية، وتلبية تطلعات الأجيال الحالية والمستقبلية.
التنويع الاقتصادي يتطلب منظومة متكاملة من السياسات
وشدد حنفي على أن تحقيق التنويع الاقتصادي يتطلب منظومة متكاملة من السياسات، التي تتناول عدة جوانب مترابطة، مثل التنمية البشرية، والتكامل المالي، والتحول الطاقي.
وأكد أن النجاح في تحقيق نتائج مستدامة في أي مجال من هذه المجالات لا يمكن أن يتحقق إلا إذا تم التكامل بين هذه العناصر الثلاثة بشكل فعّال.
أهمية التنمية البشرية في دعم التنويع الاقتصادي
وأشار الأمين العام لاتحاد الغرف العربية، إلى أن التنمية البشرية تُعد من أهم مقومات التنويع الاقتصادي، حيث يمثل رأس المال البشري العنصر الحاسم في دعم الابتكار ورفع الإنتاجية، بالإضافة إلى تطوير القطاعات الاقتصادية الجديدة.
ولتحقيق ذلك، دعا حنفي إلى ضرورة استثمار الدول العربية في التعليم النوعي والتدريب المهني الذي يتماشى مع احتياجات السوق، والذي يساهم في تأهيل القوى العاملة للتعامل مع تطورات الاقتصاد العالمي.
وأكد أن الكوادر البشرية المدربة تمتلك القدرة على قيادة المشاريع الجديدة في مجالات متنوعة مثل التكنولوجيا والبحث العلمي وريادة الأعمال، مما يعزز من دور الموارد البشرية كأحد المحركات الأساسية للتنويع الاقتصادي.
دور القطاع المالي في دعم التنويع الاقتصادي
وأوضح حنفي أن القطاع المالي يُعد وسيلة حيوية لدفع عجلة التنويع الاقتصادي من خلال توفير التمويل اللازم للمشاريع التنموية والابتكارية.
وأشار إلى أهمية تطوير الأسواق المالية وتوفير بيئة استثمارية مستقرة، حيث يسهم ذلك في تعزيز قدرة القطاع الخاص على النمو والاستثمار في القطاعات غير التقليدية.
كما أن التكامل المالي، من خلال التعاون بين البنوك، أسواق المال، وصناديق التمويل، يعزز من استقرار النظام الاقتصادي ويخلق فرصًا تمويلية أوسع للشركات الصغيرة والمتوسطة التي تلعب دورًا مهمًا في تنمية الاقتصادات المحلية وتوسيع قاعدة التنويع.
التحول الطاقي كعنصر محوري في التنويع الاقتصادي
ورأى حنفي أن التحول في مجال الطاقة يشكل محورًا استراتيجيًا في تحقيق التنويع الاقتصادي واستدامته، مشيرًا إلى أن الدول العربية تسعى لتقليل اعتمادها على مصادر الطاقة التقليدية وتوجيه استثماراتها نحو الطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح.
واعتبر أن هذا التحول يمثل فرصة واعدة لتحقيق النمو الاقتصادي المستدام، بالإضافة إلى تقليص البصمة الكربونية في المنطقة.
وأضاف أن التحول الطاقي يعزز قدرة الدول العربية على جذب الاستثمارات الأجنبية والشركات متعددة الجنسيات المهتمة بالاستدامة البيئية، فضلًا عن كونه يسهم في خفض التكاليف التشغيلية وتوفير فرص عمل جديدة في قطاعات الطاقة النظيفة.
التكامل بين التنمية البشرية، التكامل المالي، والتحول الطاقي
ولفت حنفي إلى أهمية التكامل بين التنمية البشرية، والتكامل المالي، والتحول الطاقي كعناصر مترابطة تدعم بعضها البعض لتحقيق رؤية شاملة للتنويع الاقتصادي. فاستثمار الدول في رأس المال البشري يخلق قوى عاملة مؤهلة تقود عمليات الابتكار وتطوير المشاريع في مجالات الطاقة المتجددة، والتي تحتاج بدورها إلى أسواق مالية مرنة ومستقرة توفر التمويل اللازم للمشاريع الكبرى والصغرى على حد سواء.
وأضاف أن الجلسات في المؤتمر تسعى إلى مناقشة الأبعاد المختلفة للتنويع الاقتصادي من خلال دراسات ونماذج واقعية، وتقديم توصيات حول السياسات والتدابير العملية التي يمكن للدول العربية تبنيها لتعزيز مسيرتها نحو اقتصاد أكثر تنوعًا ومرونة.
نتائج الدراسة حول التنمية المالية والتنويع الاقتصادي
أظهرت نتائج دراسة قدمت في المؤتمر أن التنمية المالية تدعم التنويع الاقتصادي ولكن بشكل غير خطي، حيث تبدأ الفوائد الكبيرة في الظهور بعد تجاوز مستويات معينة من النضج المالي، كما يعزز الإنفاق الحكومي التأثير الإيجابي للتنمية المالية.
وخلصت الدراسة إلى أن الإصلاحات المالية يجب أن تكون مستدامة وموجهة بشكل دقيق، خصوصًا في الدول ذات الأنظمة المالية الأقل تطورًا، لتعزيز التنويع الاقتصادي على المدى الطويل.
ضرورة تقليل الاعتماد على النفط وبناء اقتصادات مرنة
في ختام حديثه، دعا حنفي إلى ضرورة تقليل الاعتماد على النفط وبناء اقتصادات أكثر مرونة من خلال استراتيجيات تتضمن تحسين البنية التحتية المالية، وتشجيع الابتكار، وتوسيع الوصول إلى الخدمات المالية، بما يعزز الشركات الصغيرة والمتوسطة في القطاعات غير النفطية.
كما أكد أهمية تحسين الوصول إلى الطاقة النظيفة، وتحفيز الأسر على الانتقال من الوقود التقليدي إلى الطاقة النظيفة، فضلًا عن تعزيز الخدمات الصحية المتكاملة، وتعزيز الاستعداد لمواجهة الكوارث، بالإضافة إلى التعاون الإقليمي وطلب الدعم الدولي.
أهمية الإصلاحات التعليمية وتعزيز الحوكمة
وأكد حنفي أن الإصلاحات التعليمية تُعد ضرورة حتمية، حيث ينبغي تبني طرق تعليمية حديثة تعزز التفكير النقدي وتواكب احتياجات الاقتصاد المتنوع. كما أشار إلى أن تعزيز الحوكمة يساهم في تحسين مؤشرات الحوكمة والحد من الفساد، مما يزيد من فرص نجاح التنويع الاقتصادي.
وأوضح أن تبني سياسات تشجع على تنمية القطاعات غير النفطية مثل التكنولوجيا، والسياحة، والصناعات التحويلية، يؤدي إلى ضمان استدامة النمو الاقتصادي.
شارك في المؤتمر عدد من الشخصيات الاقتصادية والرسمية البارزة، وفي مقدمتهم المدير التنفيذي لمركز السياسات من أجل الجنوب الجديد، كريم العيناوي، والوزير المغربي المنتدب المكلف بالميزانية، فوزي لقجع، ورئيس مجلس إدارة الجمعية العربية للبحوث الاقتصادية، محمود محي الدين.
كما حضر أيضًا مدير عام المعهد العربي للتخطيط، عبد الله فهد الشامي، والأمين العام للجمعية العربية للبحوث الاقتصادية، والمنسق العام للمؤتمر، الدكتور أشرف العربي، بالإضافة إلى مستشاري رئيس مجلس الوزراء المصري، الدكتورة جيهان صالح والدكتورة سارة الجزار.