كيف تؤثر الحرب في أوكرانيا على الإمدادات الغذائية في إفريقيا والشرق الأوسط؟

كتب: محمد عوض

سلطت صحيفة ذا جارديان البريطانية الضوء على أزمات بعض الدول الشرق الأوسط والعالم التي تضررت بشدة جراء الحرب الأوكرانية، التي بدأت في 24 فبراير الماضي، ما أضر باقتصادات الدول بشكل مختلف من دولة لأخرى، لكن الأكيد هو إن تبعات الحرب لم يفلت منها أحد حتى روسيا نفسها، التي تأثرت بشدة.

فرض الغرب بقيادة الولايات المتحدة الأميركية عقوبات قاسية على روسيا،هي الأشد على دولة في العالم منذ بداية عصر العقوبات، لكن العقوبات لم تركع روسيا بعد، التي تواصل حملتها العسكرية بضراوة على أوكرانيا، وسط محاولات للوصول إلى تسوية ما توقف الأزمة وتحد من آثارها.

ومع استمرار هذه الحرب، تستمر التبعات الاقتصادية على الدول في المنطقة العربية، والتي جاء على رأسها دولتي لبنان والصومال:

لبنان

قالت صحيفة ذا جارديان، إن أسعار المواد الغذائية بلغ حدًا كبيرًا من الارتفاع في لبنان، فأسعار المواد الغذائية لم تصبح هي نفسها التي كانت قبل  شهر، فعندما يجلس مسلمو لبنان على إفطارهم الأول في رمضان، فستكون الوجبة التي أمامهم تكلف أكثر بكثير مما كانت عليه قبل ستة أسابيع.

اعتبرت الصحيفة إن البلد الشرق أوسطي، غارق بالفعل في أزمة اقتصادية كبيرة ويحاول مواجهة التضخم حتى قبل اندلاع الحرب في أوكرانيا، ما يجعله يجد نفسه الآن في صراع مع ارتفاع أسعار القمح وزيت الطهي وكثير من السلع الأخرى إن لم يكن معظمها.

قالت منى عمشى  القاطنة في بيروت: في عام 2021 ، عندما كانت الأسعار مرتفعة، كنت أستخدم نفس الزيت لطهي عدة أطباق. الآن، لا يمكنني حتى فعل ذلك.

وتأتي المخاوف بشأن واردات القمح – التي جاء أكثر من 60٪ منها العام الماضي من أوكرانيا – من إن لبنان لديه احتياطيات محدودة،  كما أدى الانفجار الضخم الذي ضرب ميناء بيروت في أغسطس 2020 وأودى بحياة أكثر من 200 شخص إلى تدمير صوامع الغلال الرئيسية في لبنان، ونتيجة لذلك ، يُعتقد محللون أن البلاد لديها ما يكفي من القمح لحوالي ستة أسابيع فقط.

قالت الحكومة إنها تحاول تأمين واردات جديدة من الهند والولايات المتحدة وكازاخستان – وكل ذلك يستلزم نقل الحبوب لمسافات أطول بكثير على طرق الشحن السابقة، وهو ما يعني تكلفة باهظة الثمن بشكل كبير تضاف على الناس.

في غضون ذلك قال وزير الزراعة اللبناني عباس الحاج حسن: إنه لاتوجد أزمة قمح في لبنان اليوم.

لكن النقص بدأ بالفعل في الظهور على أرفف السوبر ماركت، فبعض المخابز تقنن توريد واستخدامات الخبز، كما أن ارتفاع الأسعار منذ بداية الغزو الروسي لأوكرانيا واضح، كما يقول بوجار خوجة، المدير الإقليمي في مؤسسة كاير إنترناشيونال.

ويقول خوجة: في الفترة من 24 فبراير إلى 21 مارس، شهدنا زيادة عامة بنسبة 14٪ في أسعار المواد الغذائية. بالنسبة للخبز، على سبيل المثال، بلغت الزيادة 27٪.. وبالنسبة للسكر الأبيض 72٪، و بالنسبة لزيت عباد الشمس، تبلغ النسبة 83٪ .

كما تتصاعد المخاوف بشأن تكلفة الوقود الضروري للتزود بالكهرباء والمياه.

وذكر خوجة إن قلة من شرائح المجتمع أكثر عرضة لهذه التغييرات، حيث إن هناك 1.5 مليون لاجئ سوري في لبنان، يعيش معظمهم في فقر مدقع ويعتمدون على المساعدات الغذائية.

لفت خوجة: عندما نفكر في الفقر، أحاول دائمًا استخدام مستوى فقر مستوى سطح البحر. فإذا كان هناك لبنانيون يعيشون تحت خط الفقر، فعلينا أن نتخيل إن اللاجئين السوريين يعيشون تحت مستوى فقر سطح البحر بـأقل  20 مرة على خط الفقر للبنانيين.

وقد أدى قرار بعض الدول بمنع الصادرات إلى تفاقم المشكلة.. طلب رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي الأسبوع الماضي من الجزائر إعفائها من الحظر المفروض على صادرات السكر منتصف مارس. ويقول خوجة إن شركات حاولت شراء زيت نباتي من تركيا لكنها لم تتمكن من القيام بذلك.

الصومال

تأتي كارثة الحرب على الصومال وهي تواجه أسوأ حالة جفاف منذ أربعة عقود، مع انتشار الجوع لدرجة أن المجاعة يمكن أن تتطور في غضون أشهر، مع تجدد أعمال العنف من قبل المتطرفين المسلحين الذين يسعون للإطاحة بالحكومة.

حتى قبل دخول الدبابات الروسية إلى أوكرانيا في 24 فبراير ، كانت الصومال تعاني بشكل كبير من الغزو الذي شل سلة الخبز في العالم، ويتعين على الدولة الواقعة في شرق إفريقيا مواجهة تحدٍ آخر من الارتفاعات الهائلة في أسعار السلع الأساسية.

قبل أسبوع ، كان سعر إناء زيت الطهي سعة 20 لترًا 25 دولارًا، واليوم يبلغ حوالي 50 دولارًا.

قال التاجر محمد عثمان لوكالة الأنباء الفرنسية هذا الأسبوع: كان سعر لتر البنزين 0.64 دولارًا واليوم يبلغ حوالي 1.80 دولارًا – إنه أمر جنوني.

في الصومال، حيث يُعتقد أن حوالي 1.4 مليون طفل دون سن الخامسة يعانون من سوء التغذية الحاد ويعتمد أكثر من 4 ملايين شخص على المساعدات الغذائية الطارئة، سيكون لارتفاع الأسعار بأي حجم تأثير بالغ.

وعلى الرغم من أنها لا تعتمد بشدة على واردات القمح مثل بعض البلدان، إلا أن الصومال لديها العديد من الأسباب الأخرى للخوف من التأثير المتتالي للحرب في أوكرانيا.

يقول بيتروك ويلتون، المتحدث باسم برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة، إن معظم المساعدات الغذائية التي تقدمها الوكالة في الصومال تمت من خلال التحويلات النقدية، والتي كانت شديدة التأثر بتقلبات السوق.

وذكر ويلتون: أي تأثير كبير على القوة الشرائية للأشخاص الذين نخدمهم بسبب التغيرات المفاجئة في الأسعار هو مصدر قلق حقيقي، لا سيما في سياق هذا الجفاف الشديد للغاية، كما يقول.

بدأ الجفاف في البلاد منذ أكتوبر2020، وحذرت الأمم المتحدة من أن الصومال قد تميل إلى المجاعة هذا العام إذا لم تكن الأمطار المتوقعة في الأسابيع القليلة المقبلة كافية. في عام 2011، وهي المرة الأخيرة التي شهد فيها الصومال مجاعة، ويُعتقد أن ما يقرب من 260 ألف شخص قد لقوا مصرعهم.

قبل غزو أوكرانيا، كانت أسعار المواد الغذائية ترتفع بسبب الجفاف، مع نفوق الماشية أو انخفاض جودتها، وانخفاض الناتج من محاصيل الحبوب مثل الذرة الرفيعة التي أصبحت أقل بكثير من المتوسطات المعتادة.

ذكر ويلتون: إن الآثار على المدى المتوسط للأزمة الأوكرانية هي مجرد سبب إضافي لقلق خطير للغاية.

ويضيف ويلتون أن برنامج الأغذية العالمي في الصومال على وشك استلام آخر شحنة من المواد الغذائية – شحنة من البازلاء الصفراء – غادرت ميناء أوديسا قبل أن يضطر إلى الإغلاق.

وتابع: بعد ذلك، ليس لدينا حاليًا أي رؤية بشأن الشحنات المتوقعة الأخرى. لذا نعم، هناك قلق حقيقي من أن ندرة بعض هذه السلع القادمة إلى الصومال والمنطقة قد تؤدي إلى ارتفاع الأسعار.