
شهدت عطاءات السوق المفتوحة في 2025 تراجعًا ملحوظًا في إقبال البنوك والمستثمرين، وسط تباين في الأسباب بين انخفاض أسعار الفائدة وتوفر السيولة لدى البنوك من جهة، وارتفاع معدلات التضخم وتزايد المخاطر الاقتصادية من جهة أخرى.
ويرى خبراء أن هذا التحول يعكس تغير دور العطاءات من كونها أداة جذب استثماري إلى وسيلة يستخدمها البنك المركزي لإدارة السيولة وضبط التضخم، في وقت تتأثر فيه قرارات المستثمرين بالتقلبات المحلية والعالمية.
ومن جانبها قالت دينا الوقاد، محلل الاقتصاد الكلي، إن تقلص إقبال البنوك على عطاءات السوق المفتوحة له عدة أسباب واضحة، أبرزها انخفاض أسعار الفائدة، مما جعل العائد على هذه العطاءات أقل جاذبية مما كان عليه في السابق، إلى جانب امتلاك البنوك مستويات مرتفعة من السيولة تمكنها من توظيفها في الإقراض أو أدوات استثمارية أخرى تحقق عائداً أفضل.
وأضافت أن البنك المركزي يستخدم العطاءات بالأساس كأداة لإدارة السيولة في السوق، وليس كوسيلة رئيسية لجذب أموال البنوك، مشيرًة إلى أن هذا الوضع ينعكس إيجابياً على السوق من خلال تقليص فائض السيولة، بما يساعد المركزي على السيطرة على معدلات التضخم وتقليل الضغوط على الجنيه، وفي الوقت نفسه يمنح البنوك مساحة أكبر لزيادة الإقراض للشركات والأفراد بدلاً من الاكتفاء بإيداع السيولة لدى المركزي.
وأكدت “الوقاد” أن أبرز المستفيدين من إعادة توظيف هذه السيولة ستكون القطاعات الإنتاجية مثل الصناعة والزراعة، إضافة إلى قطاع العقارات والمشروعات الصغيرة والمتوسطة التي تعتمد بشكل كبير على التمويل البنكي.
وعن مستقبل عطاءات السوق المفتوحة، أوضحت “الوقاد” أن دورها لن ينتهي، لكنها ستظل أداة مرنة يلجأ إليها البنك المركزي عند الحاجة لضبط السيولة أو مواجهة أي ضغوط تضخمية محتملة، ما يعني أن وظيفتها تغيرت لكنها ما زالت قائمة.
ومن جانبه قال هاني أبو الفتوح، الخبير المصرفي، إن تراجع إقبال المستثمرين على عطاءات السوق المفتوحة خلال 2025 يعكس جملة من العوامل الاقتصادية المحلية والعالمية، في مقدمتها ارتفاع معدلات التضخم التي أدت إلى زيادة تكاليف المعيشة والإنتاج، وبالتالي تراجع القوة الشرائية وارتفاع المخاطر الاستثمارية.
وأوضح أن رفع أسعار الفائدة لعب دورًا محوريًا في هذا الاتجاه، إذ زادت تكلفة الاقتراض، ما دفع المستثمرين إلى البحث عن بدائل أخرى مثل الأسهم أو السندات الدولية ذات العوائد الأعلى، وهو ما جعل السندات الحكومية أقل جاذبية، خصوصًا في الربع الأخير من العام.
وأشار أبو الفتوح إلى أن مناخ الاستثمار يتأثر أيضًا بالسياسات الاقتصادية المحلية والدولية، حيث يؤدي عدم الاستقرار السياسي أو الاقتصادي إلى تقليص ثقة المستثمرين وإحجامهم عن الدخول في العطاءات، بينما يفاقم غياب الاستقرار الاقتصادي الداخلي من حدة المخاطر، ويجعل الأسواق المحلية أقل جاذبية.
وأضاف أن سياسات البنوك المركزية تمثل عاملًا مؤثرًا في هذا المشهد؛ فرفع أسعار الفائدة أو اتخاذ إجراءات صارمة لمكافحة التضخم قد يعيق وتيرة النمو الاقتصادي، ويقلل من جاذبية السندات الحكومية، في وقت يتجه فيه المستثمرون إلى خيارات أكثر أمانًا.
وتوقع أبو الفتوح استمرار هذه التحديات خلال الفترة المتبقية من 2025، مع بقاء التضخم المرتفع وأسعار الفائدة المرتفعة كعوامل رئيسية توجه المستثمرين نحو أسواق بديلة، لكنه أكد أن أي تحسن في السياسات الاقتصادية قد يسهم في إعادة بناء الثقة تدريجيًا.