الجميع سيعاني.. تقارير دولية ترسم خريطة اقتصاد العالم بعد غزو روسيا لأوكرانيا
البنوك والطاقة والنمو أكبر المتأثرين
ترجمة- محمد عوض
اعتبر محللون اقتصاديون، أن الإعلان الوضع العالمي بعد تطورات الأزمة الروسية الأوكرانية والتي تصاعدت منذ الإعتراف الروسي بمنطقة دونباس في شرق أوكرانيا، وجزئي دونتيسك ولوجانسك دول مستقلة، ومن ثم ما تم إعلانه عن الغزو ونقل قوات إلى شرق أوكرانيا، أمر سيعاني منه الجميع، حيث سيجلب معاناة اقتصادية لموسكو، ويدفع أسواق الطاقة الأوروبية إلى الاضطراب، ويخفف الانتعاش العالمي، وفق ما أوردت صحيفة “بارون ديلي” الأميركية.
ذكرت الصحيفة، إنه مع الأمر الروسي، الذي اعتبرته أميركا ودول غربية، بمثابة غزو، لن تكون المعاناة في طرفٍ واحد.
بل ستكون المعاناة لكلا الطرفين الواقع عليه العقوبة وفارضها، هذا فضلًا عن دول كثيرة في العالم، ستتأثر بالأزمة.
وأردفت الصحيفة، الأميركية، ستعاني الشركات الغربية التي تتعامل مع روسيا أيضًا، ولن يعاني فقط الكرملين من العقوبات الاقتصادية.
بعد ساعات من الاعتراف بمنطقتين الانفصاليتين في أوكرانيا دونتيسك ولوجانسك، نشر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قوات أسماها قوات حفظ سلام في هاتين المنطقتين.
وقوبلت هذه الخطوة بإدانة دولية واسعة، حيث علقت ألمانيا، التي كانت الدولة الأوروبية الأقل تهديدًا لروسيا، عمل مشروع خط الغاز الطبيعي نورد ستريم 2، وذلك بعدما اضطرتها روسيا لذلك، بينما أعلنت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة ودول أخرى عقوبات صارمة، ووعدت بالمزيد في المستقبل.
وحول ذلك، قال جوناثان فينر، نائب مستشار الأمن القومي بالبيت الأبيض، لشبكة سي إن إن الأميركية :”الغزو غزو بعيدًا عن أي مسميات، وهذا ما نراه الآن”.
في الأسابيع التي سبقت الهجوم والإعلان الروسي، حذرت القوى الغربية بوتين من أنها ستفرض عقوبات وأن هذه الإجراءات ستكون قاسية، وربما تفرض حظرًا أو تطرد روسيا من شبكة سوفيت المالية.
لكن عادت الصحيفة وتدراكت المنساقين إلى المزيد والمزيد من العقوبات، وقالت إنه مع ذلك، وبقدر خطورة العقوبات، لا ينبغي الاستهانة بقدرة روسيا على التوصل إلى حلول بديلة.
العقوبات في ميزان الناتج المحلي
وذكر الخبير الاقتصادي، بيير بريانسون، إن روسيا عاشت قيودًا منذ ضمها لشبه جزيرة القرم عام 2014 من أوكرانيا، مردفًا بأنه على الرغم من أن مرونة الاقتصاد الروسي في التعامل مع العقوبات وقتها كان له تكلفته، إلا إنها لم تكن تلك التكلفة الباهظة، والتي يقدرها بعض الاقتصاديين بنسبة تتراوح من 2.5٪ إلى 3٪ من الناتج المحلي الإجمالي سنويًا لروسيا.
وتمتلك روسيا العديد من الوسائل المالية لتخفف من على نفسها العقوبات- على الأقل في المدى القصير.
الغطاء النقدي من العملة الأجنبية
ونوهت الصحيفة، إلى إن عقدين من اتباع روسيا لسياسات مالية متوازنة للحكومة والبنك المركزي الروسي، في التعامل مع الأمور النقدية، قد أعطيا البلاد قوة مالية، تقدر بحوالي 600 مليار دولار من الاحتياطيات المالية من العملات الأجنبية.
النفط
صعد سعر النفط العالمي في الوقت الحالي بفعل الأزمة، فوق 100 دولار للبرميل، ومن المحتمل أن يصل إلى 120 دولارًا للبرميل لفترة وقديصل إلى الرقم أو حتى يتجاوزه، إذا ما استمرت وتصاعدت الأزمة.
وفي هذا الوضع، فلدى روسيا مخزنها النفطي، فهي مورد للطاقة الخام في العالم ومن الكبار في هذه الصناعة.
وسيساعد النقط، على الأقل جزئيًا، في التعويض عن أي حظر على صادرات الغاز، وكذلك الأمر فيما يخص خط غاز نورد ستريم 2.
ويقدر خبراء بنك، جي بي مورجان الأميركي، أن قطع صادرات النفط الروسية بمقدار النصف يمكن أن يرسل أسعار نفط برنت إلى 150 دولارًا للبرميل، وهو أعلى من أعلى مستوياتها على الإطلاق في يوليو 2008، أو حتى في عام 2014، الذي كان عام الأخير لارتفاع النفط، طوال سبع سنوات، حتى احتدمت الأزمة قبل أشهر.
ومع ذلك، نوه الخبراء، إلى إنه على الرغم من قوة روسيا من نواح كثيرة، فإن العقوبات ستضر بالمالية العامة للبلاد، حتى ولو إذا لم يتم العمل بعقوبة سويفت، التي شبهها رئيس وزراء روسي منذ سنوات بـ “سلاح نووي”.
أخطر ما في العقوبات
يمكن للحلفاء الغربيين أن يقرروا منع بنوكهم من تداول ديون الشركات أو الديون السيادية الروسية، الأمر الذي من شأنه ببساطة أن يشل روسيا ويؤدي إلى تراجع نمو الاقتصاد الذي ينمو بالفعل بوتيرة بطيئة.
بالنسبة لأوروبا، تتمثل التداعيات الكبرى للغزو في إمداداتها من الطاقة، وأوضح النصف الثاني من عام 2021 اعتماد القارة على الغاز المستورد، والذي قفزت أسعاره بشكل صاروخي مع ارتفاع الطلب عليه، وانخفاض معدل التخزين، في ظل شتاء بارد غير معتاد.
وتضاعفت أسعار الغاز أربع مرات بين سبتمبر وعيد الميلاد، وبالمقارنة، فأثر الغاز الروسي على أوروبا كبير، حيث إن ما يصل إلى 40٪ من الغاز في أوروبا يأتي من روسيا.
ومن المحتمل ألا تفرض القوى الغربية حظراً شاملاً على التعامل مع روسيا، لأنه إذا تم ذلك، فهذا من شأنه أن يجعل البلدان التي تعتمد بشكل مفرط، مثل ألمانيا، على روسيا في مواجهة الحائط، وتنزف اقتصاديًا، ولذلك، يريد الرئيس الأميركي جو بايدن من موردي الغاز الطبيعي المسال في الولايات المتحدة تعويض أي نقص بسبب روسيا، على الرغم من أن ذلك قد لا يكون كافياً.
قدرت مؤسسة بريوجيل، البحثية في بروكسل، أن الاتحاد الأوروبي “من المحتمل أن يتمكن من النجاة” إذا ما تعطلت واردات الغاز حتى الصيف، لكن الاتحاد الأوروبي سيكافح للتغلب على النقص والاضطراب إذا استمر الاضطراب حتى الشتاء المقبل.
ومن الوارد أيضا أن يقرر الكرملين عقوبات مضادة، من خلال قيامه بتقييد إمداداته الحالية إلى أوروبا، الأمر الذي سيدفع الأسعار إلى الارتفاع، لأنه مع أسعار أقل من 75 يورو، أو 85 دولارًا، لكل ميجاواط/ساعة، أصبحت أسعار الغاز بعيدة عن المستوى القياسي الذي بلغت بنحو 160 يورو في ديسمبر، ولكنها كذلك لا تزال ضعف مستوى أغسطس 2020.
وغني عن القول أن ارتفاع أسعار الطاقة من شأنه أن يرفع التضخم في أوروبا إلى مستوى أعلى من المستويات التي كان عليها منذ عقدين من الزمن بحوالي 5.1٪.
ومن المحتمل أن تؤدي المخاوف من ارتفاع معدلات التضخم إلى اتخاذ البنك المركزي الأوروبي قرارًا برفع أسعار الفائدة ووضع حد لسياسة الأسعار السلبية التي اتبعها منذ عام 2014.
وأخيرًا ، قد يؤدي تقدم روسيا بشأن أوكرانيا إلى خسائر في الاقتصاد العالمي، حيث ستتراجع ثقة المستهلكين والشركات، وتكون هناك صعوبات خطيرة على الشركات الأكثر انخراطًا في التجارة مع روسيا أو الاستثمار فيها.. وتنويهًا، فالشركات الألمانية الكبرى والبنوك الفرنسية مدرجة في تلك القائمة.
وعرفت الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون مدى خطورة عواقب الغزو الروسي، سواء بالنسبة لموسكو أو لأنفسهم، لأن ذلك سيؤدي إلى حدوث تباطؤ في أوروبا، أكبر قوة تجارية في العالم، وهو احتمال حقيقي، وسيكون له آثار مضاعفة في كل الاقتصاد العالمي.