
خبراء: التوترات الإيرانية الإسرائيلية تخلق ضغوطًا على الجنيه وزيادة مرتقبة بأسعار الذهب
في ظل تصاعد حدة الصراع العسكري بين إسرائيل وإيران، بدأت ارتدادات الأزمة تلوح في الأفق الاقتصادي الإقليمي، لتطال دولًا بعيدة جغرافيًا عن مسرح العمليات، وفي مقدمتها مصر.
وعلى الرغم من البُعد الجغرافي، إلا أن موقع مصر الاستراتيجي، واعتمادها على تدفقات العملة الصعبة من قطاعات حيوية مثل قناة السويس والسياحة، يجعلها أكثر عرضة لتداعيات أي اضطراب إقليمي، وبينما ترتفع أسعار النفط والذهب عالميًا، تتعاظم المخاوف من ضغوط جديدة على الجنيه المصري وميزان المدفوعات، وسط دعوات من خبراء الاقتصاد إلى تحركات سريعة واحترازية لاحتواء التأثيرات المحتملة.
يرى الخبير الاقتصادي، محمود جمال ، أن التوترات الجيوسياسية المتصاعدة في منطقة الشرق الأوسط، وتحديدًا الصراع الدائر بين إيران وإسرائيل، ستفرض تحديات مباشرة وواضحة على استقرار الجنيه المصري وأسعار الذهب في السوق المحلي.
وأشار إلى أن الأزمة الحالية تُعيد رسم خريطة المخاطر في المنطقة”، موضحًا أن موقع مصر الاستراتيجي ودور قناة السويس في التجارة العالمية يجعلان الاقتصاد المصري عرضة لأي اضطرابات تطال حركة الملاحة الدولية.
وأضاف: “أي تراجع محتمل في إيرادات القناة سيؤثر على تدفقات العملة الصعبة، ما قد يزيد الضغوط على الجنيه المصري في الأجلين القصير والمتوسط”.
وأكد على أن تداعيات الأزمة تتجاوز الجوانب التجارية، لتشمل عوامل مالية أوسع، في مقدمتها نظرة المستثمرين الأجانب إلى الأسواق الناشئة، موضحًا أن هناك حالة من إعادة تقييم المخاطر من جانب المؤسسات المالية العالمية تجاه المنطقة ككل، وهو ما قد يؤدي إلى خروج جزئي لرؤوس الأموال الأجنبية من أدوات الدين الحكومية، ما يُشكل ضغطًا إضافيًا على الجنيه”.
وأضاف أن الارتفاع الملحوظ في أسعار النفط العالمية نتيجة التوترات الإقليمية يفاقم من التحديات المالية لمصر، نظرًا لكونها مستوردًا صافيًا للطاقة. هذا الوضع قد يُسهم في زيادة فاتورة الاستيراد، ما يُرهق ميزان المدفوعات ويضغط على احتياطيات النقد الأجنبي.
ولفت إلى أن عدة تقارير صادرة عن مؤسسات مالية دولية، من بينها جي بي مورجان وستاندرد تشارترد، كانت تتوقع استقرارًا نسبيًا للجنيه خلال النصف الثاني من عام 2025، مدعومًا ببرامج التعاون مع صندوق النقد الدولي والاتحاد الأوروبي، إلا أن استمرار التصعيد الجيوسياسي قد يدفع هذه التوقعات إلى التغيير.
وفيما يتعلق بالتداعيات الائتمانية، أشار جمال إلى أن بعض بنوك الاستثمار بدأت مراجعة تقييماتها لمخاطر الائتمان السيادي في المنطقة، وهو ما قد ينعكس على تكلفة الاقتراض الخارجي بالنسبة للاقتصادات الناشئة، بما في ذلك مصر.
الملاذ الآمن في صعود
وعن أداء الذهب، قال محمود جمال إن المعدن النفيس عاد ليتصدر خيارات المستثمرين المحليين كملاذ آمن، في ظل تصاعد القلق من تأثيرات التوترات الإقليمية على الاستقرار الاقتصادي. وأضاف: “الطلب المتزايد على الذهب في السوق المحلي انعكس على الأسعار خلال الأيام الماضية، مدفوعًا بالارتفاع العالمي لأسعار الذهب، والذي تجاوز 3,430 دولارًا للأونصة خلال تعاملات اليوم، إضافة إلى تأثير تراجع الجنيه مقابل الدولار”.
وأوضح أن أسعار الذهب في مصر شهدت ارتفاعات تدريجية متسارعة، حيث سجل جرام الذهب عيار 21، وهو الأكثر تداولًا في السوق المحلية، نحو 4,880 جنيهًا مصريًا في المتوسط خلال تعاملات اليوم، مقابل نحو 4,800 جنيه في اليوم السابق، مع استمرار التذبذب وفق تطورات السوق العالمية وسعر صرف الجنيه.
وأشار إلى أن اتجاه أسعار الذهب محليًا يرتبط بثلاثة عوامل رئيسية: تطورات السوق العالمي للمعدن الأصفر، سعر صرف الجنيه أمام الدولار، وقرارات البنك المركزي المصري بشأن أسعار الفائدة، خاصة في ظل التضخم المرتفع.
وأكد أن استمرار التوترات في الشرق الأوسط سيدفع بأسعار الذهب عالميًا إلى مستويات جديدة، متوقعًا أن تقترب من 3.8 ألف إلى 4 آلاف دولار للأونصة خلال الأشهر المقبلة إذا استمرت الأزمة دون بوادر للتهدئة.
وتوقع في السوق المحلي أن تتجاوز أسعار الذهب في مصر حاجز 5 آلاف جنيه لعيار 21 في حال استمرار الضغوط المزدوجة من ارتفاع الأسعار عالميًا وتراجع الجنيه محليًا.
توصيات وسط التحديات
وشدد على أن التعامل مع هذه المرحلة يتطلب قدرًا كبيرًا من الحذر والانضباط المالي، سواء على مستوى الحكومة أو الأفراد، مضيفًا أن التنويع في المحافظ الاستثمارية، مع التركيز على الأصول التي توفر تحوطًا ضد التضخم وتقلبات العملة مثل الذهب، يمثل خيارًا منطقيًا للمستثمرين.
كما أكد على أهمية تجنب القرارات العاطفية أو التسرع في الشراء والبيع، داعيًا إلى متابعة التطورات الجيوسياسية والاقتصادية بشكل يومي، والاستناد إلى التحليلات المدعومة بالبيانات لتقييم الخطوات القادمة.
واختتم بقوله: “رغم التحديات القائمة، إلا أن الاقتصاد المصري يمتلك أدوات للصمود، خاصة مع تفعيل برامج الإصلاح ودعم الاستثمارات الإنتاجية، والتي ستظل الرهان الأساسي للخروج من الأزمات الراهنة بأقل الخسائر الممكنة”.
ومن جانبه أكد هاني أبو الفتوح، الخبير المصرفي، أن الضربات العسكرية المتبادلة بين إسرائيل وإيران خلال اليومين الماضيين تُلقي بظلالها على المشهد الاقتصادي المصري، رغم البُعد الجغرافي عن ساحة الاشتباك المباشر.
وأوضح أبو الفتوح أن مثل هذه التوترات، حتى وإن كانت مؤقتة، قد تُحدث موجات ارتداد سريعة في أسواق ناشئة مثل السوق المصرية، التي لا تزال تعاني من هشاشة في بعض المؤشرات الأساسية.
وأضاف أن أولى التأثيرات المحتملة قد تظهر في سوق الصرف، مشيرًا إلى أن الجنيه المصري لم يشهد تراجعًا حادًا حتى الآن، إلا أن استمرار التوترات قد يدفع بعض المستثمرين الأجانب إلى التحوّط، مما يزيد الطلب على الدولار محليًا.
وتابع: “مع ارتفاع أسعار النفط، تبدو فاتورة الاستيراد معرضة للزيادة، وهو ما قد يشكل ضغطًا على ميزان المدفوعات في الأجل القصير”.
وأشار أبو الفتوح إلى أن قطاع السياحة قد يتأثر أيضًا، رغم أن مصر بعيدة عن مسرح العمليات، لافتًا إلى أن السياح، خصوصًا من أوروبا وآسيا، غالبًا ما يتعاملون مع المنطقة ككتلة جغرافية واحدة، مما قد ينعكس سلبًا على وتيرة الحجوزات خلال موسم الصيف.
وفيما يتعلق بحركة الملاحة في قناة السويس، قال إنه لا توجد مؤشرات حالية على تراجع في أعداد السفن، إلا أن أي اضطراب في أمن الملاحة الإقليمية أو ارتفاع كبير في تكلفة التأمين قد يدفع بعض الخطوط الملاحية لإعادة النظر مؤقتًا في مساراتها.
وأكد أبو الفتوح أن أي ارتفاع إضافي في أسعار النفط العالمية سيزيد من أعباء الموازنة العامة للدولة، وقد يدفع الحكومة إلى إعادة تقييم بنود الدعم أو تسعير المنتجات البترولية، وهو ما ستكون له آثار اجتماعية واقتصادية لا يمكن تجاهلها.
واختتم تصريحاته قائلًا إن هذه التطورات، رغم أنها تبدو قصيرة الأجل، قد تتحول إلى عوامل ضغط ممتدة إذا طال أمد التصعيد أو دخلت أطراف جديدة على خط المواجهة، مشددًا على أهمية تحرك الحكومة المصرية بسرعة، ليس فقط لتقليل المخاطر، وإنما أيضًا لاستثمار أي فرص قد تلوح في الأفق.
وفي ذات السياق قال الدكتور أشرف غراب، الخبير الاقتصادي, نائب رئيس الاتحاد العربي للتنمية الاجتماعية بمنظومة العمل العربي بجامعة الدول العربية لشئون التنمية الاقتصادية, أن استمرار موجة التصعيد العسكري بين إسرائيل وإيران ينذر بعواقب وخيمة تطال الأسواق الإقليمية والعالمية ويهدد الاقتصاد والاستقرار المالي لدول منطقة الشرق الأوسط, موضحا أنه خلال أول يوم من بدء ضرب الكيان الصهيوني لإيران ثم الرد الإيراني عليها وقد قفزت أسعار الذهب والنفط والغاز قفزة كبيرة, موضحا أن استمرار التصاعد بينهما يؤثر مباشرة على حركة رؤوس الأموال خاصة في الأسواق الناشئة ودول الشرق الأوسط, لأن الاستثمارات الأجنبية تعتمد بالأساس على الاستقرار السياسي والأمني وهي أهم شروط النمو الاقتصادي واستقرار أسواق المال .
أوضح غراب أن التصعيد العسكري بين إسرائيل وإيران أدى إلى ارتفاع أسعار النفط بأكثر من 12% ليكسر حاجز 75 دولارا للبرميل وتوقعات بأن يصل إلى أكثر من 100 دولار إذا استمر التصعيد في ظل مخاوف من تعطل الإمدادات أو تعرض منشأت الطاقة لهجمات محتملة, كما قفزت أسعار الذهب ليبلغ 3438 دولار للأوقية وقد يصل إلى 3500 دولار خلال أيام قليلة, موضحا أن تصاعد الحرب بين الجانبين يؤثر على حركة الملاحة في مضيق هرمز الذي يمر منه نحو 20% من صادرات النفط العالمية، ومضيق باب المندب الذي يمر منه نحو 6 ملايين برميل نفط وغاز يوميا، والذي إذا تعرض الممرين الملاحيين للإغلاق سيصيب حركة التجارة العالمية بشلل تام وسيرفع من تكلفة النفط والغاز والشحن والتأمين لمستويات غير مسبوقة.
وأشار إلى أن التصعيد العسكري بين الجانبين سيؤدي إلى اضطراب في سلاسل الإمداد وحركة التجارة العالمية ورفع تكاليف الشحن والتأمين ما يؤدي إلى رفع تكلفة التجارة العالمية والتجارة في الشرق الأوسط ورفع أسعار السلع الأساسية الاستراتيجية والخدمات وزيادة الضغوط التضخمية, خاصة في الدول المستوردة للطاقة والسلع الغذائية، موضحًا أن التذبذب الحاد في الأسواق يؤثر مباشرة بالضرر على الأسهم العالمية لعدم استقرار عملية التسعير, كما أن استمرار التصعيد يؤثر بلا شك على قرارات البنوك المركزية في تحديد سعر الفائدة خلال الفترة المقبلة .
تابع أن تصاعد هذه الحرب ستؤثر تداعياتها الاقتصادية مباشرة على الدول المستوردة في ظل زيادة الاضطرابات المحتملة في أسعار النفط والغاز خلال الفترة القادمة، إضافة إلى تأثيره الجزئي بالسلب على حركة الوفود السياحية بمنطقة الشرق الأوسط, وزيادة الضغط على العملات المحلية، في ظل اتجاه المستثمرين إلى الاستثمار في الملاذات الآمنة في الذهب والدولار والين الياباني وغيرها، موضحا أن هذه التوترات الجيوسياسية تؤدي لتراجع مصادر العملة الصعبة في دول الشرق الأوسط ما يؤدي لتراجع العملات المحلية ما يؤثر على تراجع حجم وارداتها والاستيراد بتكلفة أعلى وبالتالي زيادة في سعر السلع بالأسواق وزيادة الضغوط التضخمية