
تقرير: الصكوك السيادية على أراضي الدولة أداة تمويل لتقليل الدين وجذب المستثمرين
تتجه الحكومة المصرية إلى استخدام الأراضي المملوكة للدولة كغطاء لإصدارات جديدة من الصكوك السيادية، في خطوة تستهدف خفض أعباء الدين العام وتنويع أدوات التمويل، وسط التزام تام بأحكام الشريعة الإسلامية.
وتشير آراء خبراء التمويل إلى أن الأراضي الواقعة في مناطق استراتيجية مثل البحر الأحمر قد تُسهم في خفض مخاطر الإصدار وزيادة جاذبيته للمستثمرين الخليجيين والدوليين، خاصة مع تصاعد الطلب على المنتجات المالية المتوافقة مع الشريعة.
وفي حين يرى البعض أن التصكيك قد يؤثر على العائد حال غياب عوائد تشغيلية مباشرة، يعتبره آخرون خطوة مدروسة تعزز الثقة وتفتح الباب أمام سيولة أجنبية دون التفريط في ملكية الأصول.
وأصدر الرئيس عبد الفتاح السيسي قرارًا بتخصيص حوالي 41.5 ألف فدان، أو ما يزيد على 174 مليون متر مربع، في منطقة البحر الأحمر لوزارة المالية.
تسعى الحكومة المصرية لخفض الدين العام خلال العام المالى المقبل إلى نحو 81.1% من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي في مقابل توقعات بانخفاضه إلى 85% من إجمالى الناتج المحلي الإجمالي بنهاية العام الجاري الذي يوشك على الانتهاء.
بحسب وثيقة البيان المالي لموازنة العام المالي المقبل، سجل الدين العام خلال العام المالي الماضي 12.5 مليار جنيه ومثل نحو 89.4% من إجمالى الناتج المحلي الإجمالي.
الدين العام في مصر
من المتوقع وصول الدين العام إلى 14.6 تريليون جنيه بنسبة 85% من الناتج المحلي ونموه إلى 16.5 تريليون جنيه خلال العام المالى المقبل مع تراجع حصته من الناتج المحلي الإجمالي إلى 81.1%، وتلتهم الأقساط وفوائد الدين خلال العام المالى المقبل نحو 50% من إجمالى المصروفات في الموازنة المقبلة والتى تقدر بنحو 4.6 تريليون جنيه، إذ أن 2.3 تريليون جنيه تقريبا تذهب لسداد الديون.
ومن جانبه أكد أيمن الصاوي، المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة “بكرة القابضة”، أن الدولة تشهد خطوة استراتيجية بالغة الأهمية في مجال إدارة الأصول، تتمثل في نقل ملكية قطعة أرض ضخمة بمنطقة رأس شقير على ساحل البحر الأحمر، موضحًا أن هذه الخطوة تأتي ضمن خطة شاملة تهدف إلى خفض الدين العام، وتمويل المشروعات القومية الكبرى من خلال استخدام أداة مالية حديثة ومتقدمة، وهي الصكوك السيادية.
وأشار إلى أن الصكوك السيادية تتيح للدولة استخدام أصولها كضمان للعوائد المستقبلية دون التنازل عن ملكيتها. وأضاف: “الدولة تقول للمستثمرين: لدي أصل ثابت يدر عائدًا سنويًا مستقرًا، ويمكنكم المشاركة في عوائده لفترة زمنية محددة، مقابل تمويل يُضخّ الآن في مشروعات تنموية.”
وشدد الصاوي على أن أهمية هذه الخطوة لا تقتصر على منطقة رأس شقير فقط، بل تأتي ضمن رؤية اقتصادية أوسع، قد تعيد للأذهان تجربة رأس الحكمة مع صندوق ADQ الإماراتي، لكن بمنهج مختلف كليًا. فالفرق الجوهري هنا، أن الأرض لم تُعرض للبيع، بل خُصصت بقرار جمهوري نُشر في الجريدة الرسمية، لاستخدامها كأداة لتوريق إيراداتها المستقبلية، دون المساس بملكيتها.
وبيّن أن هذه الآلية تُعد من أبرز مزايا الصكوك السيادية، حيث تقوم على رهن العائد وليس الأصل، ما يتيح تحقيق السيولة المطلوبة دون التفريط في أصول الدولة.
وكشف الصاوي أن وزارة المالية، بصفتها الجهة المختصة بإدارة الأصول المملوكة للدولة، ستقوم بطرح الصكوك على صناديق استثمار سيادية ومستثمرين كبار، على أن تكون الإصدارات مرتبطة بمشروعات واضحة في نفس المنطقة الجغرافية، لتعزيز الشفافية والجدوى الاقتصادية.
وأضاف أن الاعتبارات الأمنية تم أخذها بعين الاعتبار، حيث تم التأكيد على استمرار تواجد القوات المسلحة في المناطق ذات الأهمية الاستراتيجية داخل الأرض، بما يضمن الحفاظ على الأمن القومي بشكل كامل.
وتابع: “نحن لا نبيع أصولنا، ولا نفرّط فيها، بل نحسن استخدامها لخلق قيمة اقتصادية مضافة، وتوفير حلول تمويل ذكية ومستدامة، تُخفف العبء عن الموازنة العامة. أدوات مثل الصكوك السيادية وتوريق الإيرادات لم تعد رفاهية، بل أصبحت ضرورة حتمية في المرحلة المقبلة، خاصة مع الحاجة لتمويل البنية التحتية والتحول الاقتصادي، دون اللجوء إلى الاقتراض التقليدي أو المساس بملكية الدولة”.
واختتم متسائلًا: “هل تصبح رأس شقير رأس حكمة جديدة؟ الزمن كفيل بالإجابة، لكن المؤكد أننا أمام مرحلة جديدة من الاستثمار الذكي في أصول الدولة”.
ومن جانبه قال الخبير المصرفي محمد عبد العال إن قرار الدولة بتخصيص قطعة أرض شاسعة بمنطقة رأس شقير لصالح وزارة المالية، يمثل خطوة استراتيجية مهمة تهدف إلى خفض الدين العام للدولة عبر أدوات تمويل حديثة، وعلى رأسها الصكوك السيادية.
وأكد عبد العال أن القرار لا يتضمن بيع الأرض، وإنما تخصيصها فقط، ما يعني أنه لا يجوز لوزارة المالية بيعها لأي جهة محلية أو أجنبية، لا حاليًا ولا مستقبلاً، مشددًا على أن الهدف الأساسي من هذا التخصيص هو الاستفادة من عوائد الاستثمار في الأرض لتمويل المشروعات القومية وخفض عجز الموازنة العامة.
وأشار إلى أن الصكوك السيادية تمثل أحد الأدوات المالية التي تسمح بتمويل مشاريع تنموية من خلال ملكية جزئية في أصول أو مشاريع، وليست ديونًا مباشرة على الدولة كما هو الحال في السندات التقليدية، مما يجعلها أداة تمويل آمنة ومناسبة خاصة في ظل التوجه نحو تقليل الاعتماد على الاقتراض المباشر.
ونوّه بأن الصكوك تختلف عن السندات بثلاث نقاط رئيسية: أولاً، الصكوك مضمونة بأصول حقيقية؛ ثانيًا، تخضع للربح والخسارة بعكس السندات ذات العائد الثابت؛ وثالثًا، أنها تتوافق مع مبادئ الشريعة الإسلامية، مما يعزز جاذبيتها لدى شريحة واسعة من المستثمرين المحليين والدوليين.
وأضاف عبد العال أن سوق الصكوك الإسلامية يشهد نموًا عالميًا متسارعًا، حيث تخطى حجم الأصول الإسلامية حاجز 2 تريليون دولار، بمعدل نمو سنوي يصل إلى 16%، وتصدرت ماليزيا والسعودية والإمارات قائمة الدول المصدرة كما أن مصر كانت قد أطلقت أول إصدار لصكوك سيادية بقيمة 1.5 مليار دولار في فبراير 2023، وتم تغطيته أربع مرات، ما يعكس الثقة الكبيرة في هذا النوع من التمويل.
أكد على أن هذه الخطوة تمثل نقلة نوعية في إدارة أصول الدولة، وتعكس فكرًا ماليًا متطورًا، يسهم في توفير تمويل مستدام للمشروعات القومية، ويقلل من عبء خدمة الدين العام، كما يعزز فرص بناء سوق نشطة لتداول الصكوك السيادية داخل مصر وخارجها.
وفي سياق متصل قال الدكتور مدحت نافع، الخبير الاقتصادي، إن ما تم تداوله بشأن تخصيص قطعة أرض في البحر الأحمر لصالح وزارة المالية بهدف استخدامها في إصدار صكوك سيادية لتخفيض الدين العام، يحمل العديد من الدلالات الإيجابية، ولا يجب النظر إليه بمنظور التشكيك، كما ذهب البعض مؤخرًا.
وأضاف نافع، أن وزارة المالية تمتلك الحق القانوني في التصرف في الأصول المملوكة للدولة “ملكية خاصة”، مشيرًا إلى أنها تملك بالفعل حصصًا وأسهمًا في شركات قطاع الأعمال العام، وهو ما يمنحها صلاحية التعامل مع هذه الأصول لتوظيفها في أدوات تمويلية مختلفة.
وأشار إلى أن وزير المالية يشغل كذلك موقع “مقرر المجموعة الاقتصادية”، ما يمنحه القدرة على عرض المنتجات المالية، مثل الصكوك، بشكل مباشر وسلس على أعضاء المجموعة، ضمن إطار متكامل لاتخاذ القرار الاقتصادي.
ولفت نافع إلى أن المنتج المالي المقترح لا يتضمن بيع أو تفريط في الأصل، بل يقوم على استغلاله بالشكل الأمثل، موضحًا أن الصكوك – بأنواعها المختلفة – تتيح توريق إيرادات استغلال الأصل أو استثماره، دون أن تمنح للمكتتبين أي حقوق ملكية على الأصل نفسه، وهو ما يشبه إلى حد كبير نموذج “سندات الإيراد”.
وأكد أن هذه القراءة تمثل وجهة نظر تحليلية أولية، وليست معلومة مؤكدة أو مدعومة بمستندات رسمية، لكنه يرى أن هذا المفهوم يتسق مع توصيات سابقة له، تؤكد أهمية تنويع أدوات التمويل والاستفادة من الأصول دون التفريط فيها.
أكد على أن أي منتج مالي في العالم يمكن أن ينطوي على عيوب إذا تم استخدامه بشكل غير ملائم، موضحًا أن مقارنة الصكوك بالمنتجات التمويلية الأخرى يجب أن تركز على ميزاتها التنافسية، لا سيما في ضوء أن كل أدوات التمويل – سواء كانت سندات أو تمويلًا ذاتيًا – تنطوي على قدر من المخاطر، ولا توجد وسيلة تمويل خالية تمامًا من التحديات.
وأكدت وزارة المالية، صباح اليوم، أن قرار تخصيص قطعة أرض مميزة لوزارة المالية بالبحر الأحمر يهدف إلى استخدامها فى إصدار صكوك وخفض المديونية الحكومية، موضحة أن تخصيص هذه الأرض لايعنى بيعها بل استخدامها وتطويرها واستخدام جزء منها ضمانة لإصدار صكوك سيادية، تسهم في توفير تمويل يغطى احتياجات الموازنة العامة للدولة بشروط مميزة.
أشارت إلى أن ذلك يتم دون نقل ملكية الأرض لأى جهة وأن الأرض المستخدمة كضمانة ستظل تحت الملكية الكاملة للدولة المصرية، ممثلة فى وزارة المالية، وبعض الجهات الحكومية ذات النشاط الاقتصادى.
ذكر بيان لوزارة المالية، أننا نستهدف العمل على استخدام جزء من الأرض لتحقيق أفضل تنمية للدولة من خلال الدخول فى بعض الصفقات والشراكات مع بعض جهات الدولة التى تعمل فى القطاع المالى، وبعض الهيئات الاقتصادية، لاستبدال جزء من المديونية القائمة على أجهزة الموازنة لدى تلك الجهات الحكومية مقابل الدخول فى استثمارات مشتركة، بما يسهم أولًا فى خفض مديونية أجهزة الموازنة، وكذلك فاتورة وأعباء خدمة الدين، إضافة إلى المساهمة فى تطوير تلك الأراضى، وتحويلها إلى مشروعات إنتاجية وخدمية وسياحية وعقارية؛ بما يحقق عائدًا اقتصاديًا جيدًا ومستمرًا ودائمًا للدولة لصالح الأجيال القادمة، وتوفير فرص عمل إضافية لشبابنا.
وتسهم هذه الإجراءات فى تحسين أوضاع المالية العامة، وخفض المديونية الحكومية ودفع النشاط الاقتصادى وزيادة تنافسية الاقتصاد المصرى، وخفض تكلفة التمويل، وإيجاد حيز مالى إضافي يمكن استخدامه فى زيادة حجم الإنفاق على برامج الحماية الاجتماعية لمساندة الفئات الأولى بالرعاية، وأصحاب الدخول الأقل، إضافة إلى زيادة المخصصات الموجهة إلى مجالات وأنشطة التنمية البشرية خاصة قطاعى الصحة والتعليم، بما يعود بالنفع على أكبر عدد من المصريين فى شكل برامج مساندة إضافية، وتحسن ملموس فى جودة الخدمات المقدمة.