
خبراء: تراجع الدولار أمام الجنيه يعكس تحسنًا مؤقتًا مدعومًا بتدفقات أجنبية وتحويلات قوية
هاني أبو الفتوح: التحسن مؤقت ما لم تدعمه إصلاحات
أحمد أبو الخير: تحويلات قوية وسياسات فعالة دعمت الجنيه
محمود جمال: تحولات هيكلية واستثمارات خليجية تدعم الاستقرار
شهد سعر صرف الدولار الأمريكي تراجعًا ملحوظًا أمام الجنيه المصري، ليسجل أدنى مستوياته منذ نوفمبر 2024، وسط تحليلات من خبراء اقتصاديين ومصرفيين تشير إلى تحسن في المؤشرات المحلية، مدعومًا بتدفقات نقد أجنبي قوية، وسياسات اقتصادية مرنة، مع تحذيرات من مخاطر قائمة إذا لم تُستكمل الإصلاحات الهيكلية.
تحسن مؤقت ما لم تدعمه إصلاحات
ويقول هاني أبو الفتوح، الخبير المصرفي، إن التراجع الأخير في سعر الدولار أمام الجنيه المصري يعكس تحسنًا نسبيًا في توازن سوق الصرف، مدعومًا بعدة عوامل محلية، أبرزها تقليص الفجوة بين السعرين الرسمي والموازي، وزيادة المعروض من الدولار عبر القنوات الرسمية، إلى جانب ارتفاع التدفقات من أدوات الدين والاستثمارات المتوقعة.
وأضاف أن الانفراج النسبي في تحويلات المصريين بالخارج، واستمرار انضباط حركة الواردات، ساهما في تخفيف الضغوط على سوق الصرف، ما دفع سعر الدولار للتراجع من نحو 49.52 جنيهًا إلى 49.15 جنيهًا في السوق الرسمية خلال يوليو، بينما شهد السوق الموازي تراجعًا أكبر يُقدّر بين 5 و7%.
ورغم ذلك، رأى أبو الفتوح أن هذا التحسن في قيمة الجنيه يظل مؤقتًا في غياب إصلاحات هيكلية أكثر عمقًا، تشمل دعم الصادرات وتعزيز الإنتاج المحلي. وأوضح أن مؤشر الدولار عالميًا لم يسجل تراجعًا ملحوظًا، بل ظل مستقرًا مع ميل للصعود مدفوعًا ببيانات اقتصادية أمريكية قوية، عززت توقعات تثبيت الفائدة لفترة أطول، وربما زيادتها إذا استمر التضخم.
وأكد أن استقرار الجنيه المصري لا يمكن أن يعتمد على التدفقات قصيرة الأجل أو الإجراءات المؤقتة، بل يتطلب معالجة جوهرية للاختلالات في بنية الاقتصاد، خصوصًا في ظل بيئة نقدية عالمية تتجه نحو التشديد.
تحويلات قوية وسياسات فعالة دعمت الجنيه
ومن جانبه قال أحمد أبو الخير، الخبير المصرفي، إن سعر صرف الدولار الأمريكي مقابل الجنيه المصري شهد تراجعًا ملحوظًا خلال الفترة الأخيرة، لينخفض إلى ما دون مستوى 50 جنيهًا، مسجلًا أقل من 49 جنيهًا في يوليو 2025، وهو أدنى مستوى يبلغه منذ نوفمبر 2024.
وأوضح أبو الخير أن هذا التراجع يأتي بعد فترة من التقلبات الكبيرة في سوق الصرف، مدفوعًا بجملة من الإجراءات الاقتصادية والسياسات النقدية الفعالة، إلى جانب تدفقات استثمارية أجنبية أسهمت في تحسين المشهد المالي.
وأشار إلى أن أبرز العوامل التي دعمت الجنيه تمثلت في ارتفاع تحويلات المصريين العاملين بالخارج، والتي سجلت نحو 26.4 مليار دولار خلال الفترة من يوليو إلى مارس من العام المالي 2024/2025، بزيادة سنوية بلغت 82.7%. وقد ساعدت هذه التدفقات القوية في تعزيز احتياطيات النقد الأجنبي، التي ارتفعت إلى 48.7 مليار دولار بنهاية يونيو 2025، ما أتاح للبنك المركزي دعم استقرار العملة المحلية وتلبية الطلب على الدولار لتغطية الواردات.
سعر صرف مرن
وأضاف أن تبني البنك المركزي لسياسة سعر صرف مرنة منذ تعويم الجنيه في مارس 2024 كان له دور حيوي في تحسين توازن سوق الصرف، إذ أتاح تفاعلًا أكثر واقعية بين قوى العرض والطلب، وساهم في تقليص الفجوة بين السوق الرسمية والموازية، وامتصاص الصدمات الخارجية.
ولفت إلى أن الإجراءات الحكومية لتحسين السيولة الدولارية والحد من اللجوء للسوق غير الرسمية ساعدت في تسهيل الإفراج عن البضائع وتحسين تدفق النقد الأجنبي عبر القنوات الرسمية. كما عززت عودة استثمارات الأجانب في أدوات الدين المحلي – لا سيما أذون الخزانة – الثقة في الاقتصاد المصري.
ضغوط العملات الرئيسية على الدولار
وعلى الصعيد الدولي، أوضح أبو الخير أن الدولار الأميركي واجه ضغوطًا مقابل عدد من العملات الرئيسية، مثل اليورو والجنيه الإسترليني، على خلفية استمرار السياسات الجمركية الأميركية وارتفاع الدين العام، ما دفع بعض الاستثمارات لمغادرة الأصول المقومة بالدولار، الأمر الذي صب في مصلحة الجنيه المصري وسط تحسن مؤشرات الاقتصاد المحلي.
تدفقات النقد الأجنبي
وفيما يخص التوقعات المستقبلية، أشار إلى صعوبة تحديد مسار سعر الصرف بدقة نتيجة تعدد العوامل المؤثرة داخليًا وخارجيًا، إلا أنه رجّح أن يواصل الجنيه أداءه الإيجابي في حال استمرار تدفقات النقد الأجنبي وتحسن المؤشرات الاقتصادية. وتوقع أن يتراوح سعر صرف الدولار بين 47 و49 جنيهًا حتى نهاية العام، مع احتمالات لتقلبات محدودة تستوجب متابعة دقيقة للمتغيرات العالمية، وعلى رأسها تحركات الفائدة الأميركية.
وفي سياق متصل قال محمود جمال، الخبير الاقتصادي، إن تراجع سعر صرف الدولار إلى مستوى 49.10 جنيه، وهو أدنى مستوى منذ ثمانية أشهر، يعكس تحولات هيكلية تشهدها الاقتصاد المصري في الفترة الأخيرة، بدعم من ارتفاع تحويلات المصريين بالخارج، وتنامي أداء قطاع السياحة، وزيادة تدفقات الاستثمار الأجنبي.
تحويلات العاملين بالخارج
وأوضح جمال أن تحويلات العاملين بالخارج سجلت نحو 29.4 مليار دولار خلال عشرة أشهر فقط، بزيادة 77% مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي، مدفوعة بتطوير القنوات الرسمية مثل نظام “إنستا باي”، الذي أسهم في خفض رسوم التحويلات بنحو 40%.
دعم السياحة للعملة المحلية
وأشار إلى أن قطاع السياحة يواصل دوره في دعم العملة المحلية، حيث استقبلت مصر 3.9 مليون سائح في الربع الأول من 2025، وسط توقعات بوصول إيرادات القطاع إلى 14 مليار دولار بنهاية العام، خاصة بعد أن استقطب المتحف المصري الكبير وحده نحو 1.2 مليون زائر منذ افتتاحه في مارس الماضي.
واعتبر جمال أن قرار تحرير سعر الصرف في عام 2023 شكّل نقطة تحول محورية، إذ ساهم في القضاء على ما يقارب 90% من نشاط السوق السوداء، في حين أدت زيادة أسعار الفائدة بنسبة 2% إلى جذب نحو 4.5 مليار دولار استثمارات في أذون الخزانة، التي تقدم عوائد بلغت 25%.
وأضاف أن الدعم المقدم من المؤسسات الدولية لعب دورًا رئيسيًا في دعم استقرار سوق الصرف، حيث ضخّت السعودية والإمارات نحو 6.4 مليار دولار عبر 47 اتفاقية استثمارية، بينما وافق الاتحاد الأوروبي على تمويل بقيمة 4 مليارات يورو يُسدد على مدار 35 عامًا. ومن المتوقع أن تصرف مصر شريحة جديدة بقيمة 1.2 مليار دولار من قرض صندوق النقد الدولي خلال الربع الثالث من 2025.
إصلاحات هيكلية وتحولات اقتصادية تدعم الجنيه
وفيما يخص التوقعات المستقبلية، أوضح جمال أن استقرار سعر الصرف حتى نهاية العام يرتبط بقدرة الحكومة على جذب نحو 3.6 مليار دولار من برنامج الطروحات، وتحقيق مستهدفات السياحة التي تبلغ 12 مليون زائر. وفي حال تحقق هذه العوامل، يُرجّح بقاء الدولار ضمن نطاق يتراوح بين 48.50 و49.50 جنيه.
لكنه حذّر من أن أي تأخر في تنفيذ الاستثمارات الخليجية أو ارتفاع التضخم العالمي فوق 3.4%، إلى جانب التزامات مصرية بسداد ديون بقيمة 3.1 مليار دولار في الربع الأخير من العام، قد يؤدي إلى اختراق الدولار لمستوى 50 جنيهًا. كما قد تتجاوز العملة الأمريكية 51 جنيهًا في حال نشوب توترات جيوسياسية جديدة، خاصة إذا تراجعت احتياطيات النقد الأجنبي إلى أقل من 35 مليار دولار.
الدعم الدولي والخصخصة
وشدد جمال على أهمية تسريع برنامج الخصخصة، خصوصًا طرح شركات كبرى مثل “المصرية للاتصالات” و”بتروجيت”، إلى جانب تعزيز الصادرات غير النفطية التي نمت بنسبة 12% خلال النصف الأول من 2025.
توصيات وتحذيرات للمستثمرين
ونصح المستثمرين بالتركيز على أدوات الدين قصيرة الأجل، والتحوط عند المستويات الفنية القريبة من 49.30 جنيه، مع مراقبة نقاط المقاومة الرئيسية عند 50.20 جنيه.
واختتم تصريحاته بالتأكيد على أهمية متابعة مؤشر الدولار العالمي (DXY)، مشيرًا إلى أن تجاوزه مستوى 100 نقطة قد يؤدي إلى ضغوط متزايدة على عملات الأسواق الناشئة، مضيفًا “الجنيه المصري يخوض معركة وجودية بين إصلاحات محلية طموحة وعواصف عالمية متقلبة”،مؤكدًا أن السيناريو الأساسي يرتكز على تحقيق نحو 85% من برنامج الخصخصة، مع استمرار تحويلات المصريين بالخارج عند مستويات تفوق 2.8 مليار دولار شهريًا.