
يتجه البنك المركزي الأوروبي إلى تثبيت أسعار الفائدة للمرة الثانية على التوالي، وسط قناعة بقدرة الاقتصاد الأوروبي على مواجهة تداعيات الرسوم الجمركية الأميركية التي يفرضها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وكذلك الاضطرابات السياسية الأخيرة في فرنسا.
وبحسب استطلاع أجرته بلومبرج وشمل 59 اقتصاديًا، يُتوقع أن يستقر سعر الفائدة على الودائع عند 2% يوم الخميس، دون أي خفض إضافي في هذه الدورة. كما يُتوقع أن تُخفف التوقعات الفصلية الجديدة من المخاوف بشأن استمرار التضخم دون مستوى 2%.
مرونة الاقتصاد الأوروبي
رغم الضغوط الخارجية، يُظهر اقتصاد منطقة اليورو المكون من 20 دولة مرونة ملحوظة في الأيام الأولى من تطبيق الرسوم الأميركية.
ويُبدي معظم مسؤولي البنك المركزي الأوروبي ارتياحًا تجاه السياسات النقدية الحالية، في ظل بقاء مؤشر الأسعار ضمن النطاق المستهدف.
ورغم ذلك، يراقب المركزي الأوروبي عن كثب التطورات المرتقبة في سياسة مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، حيث يُتوقع أن يخفض الأخير أسعار الفائدة الأسبوع المقبل، مما قد يؤدي إلى ارتفاع اليورو إذا تم التلميح إلى تخفيضات إضافية لاحقة.
الاضطرابات السياسية في فرنسا
تأتي هذه التطورات في وقت تشهد فيه فرنسا أزمة سياسية بعد انهيار الحكومة يوم الاثنين. لكن، ما لم تحدث اضطرابات حادة في الأسواق، فمن غير المرجح أن تركز رئيسة البنك المركزي الأوروبي كريستين لاغارد على هذا الملف خلال مؤتمرها الصحفي في فرانكفورت، المقرر في الساعة 2:45 ظهرًا، بعد 30 دقيقة من إعلان قرار الفائدة.
تباين الآراء حول مستقبل الفائدة
بعد خفض الفائدة من 4% إلى 2%، تعارض إيزابيل شنابل، العضو المتشدد بالمجلس التنفيذي، أي خفض إضافي، محذرة من أن التضخم قد يتجاوز التوقعات بفعل عوامل مثل التوترات التجارية وزيادة الإنفاق الحكومي.
وفي سياق مماثل، شدد مسؤولون آخرون على أهمية التريث. فقد أوضح ماديس مولر من إستونيا أن من الأفضل مراقبة البيانات أولاً، بينما صرح أولي رين من فنلندا بأن هناك مجالًا للتفكير في الخطوات التالية.
من جانبه، قال ديفيد باول، كبير اقتصاديي منطقة اليورو لدى بلومبرج إيكونوميكس، إن البنك المركزي الأوروبي ليس في عجلة من أمره لخفض الفائدة مجددًا، مضيفًا أن صُناع القرار ينتظرون مؤشرات أوضح حول استجابة الاقتصاد للضغوط التجارية، في ظل ثبات التضخم الأساسي.
تباين التوقعات في الأسواق
تُظهر الأسواق ترددًا واضحًا، إذ تشير التقديرات إلى أن احتمالية خفض الفائدة مجددًا هذا العام أقل من الثلث.
وفي حين لمح جيديميناس سيمكوس، محافظ البنك المركزي الليتواني، إلى احتمال خفض الفائدة في ديسمبر، تحدث عن ضغوط محتملة بفعل قوة اليورو أو تدفق السلع الآسيوية الرخيصة.
في المقابل، لم يستبعد بريموز دولينك، القائم بأعمال محافظ البنك المركزي في سلوفينيا، أن تكون الخطوة التالية رفع أسعار الفائدة، وهو رأي تشاركه أقلية من المشاركين في استطلاع بلومبرج الذين يرون احتمالًا لتحقق هذا السيناريو في النصف الثاني من 2026.
توقعات النمو والتضخم
تشير توقعات المركزي الأوروبي الجديدة إلى انتعاش تدريجي في النمو الاقتصادي، مع بقاء التضخم عند المستوى المستهدف على المدى المتوسط. ومن التغييرات المتوقعة، مراجعة توقعات عام 2026 لتقترب من نسبة 2%، ما قد يُخفف من المخاوف بشأن استمرار انخفاض الأسعار.
ورغم الرسوم الجمركية والحرب الروسية في أوكرانيا، تظهر المؤشرات منذ اجتماع يوليو أن اقتصاد أوروبا لا يزال متماسكًا. فقد سجل النشاط التجاري نموًا في أغسطس، فيما ارتفعت ثقة الشركات الألمانية لأعلى مستوى منذ عام 2022.
لكن من ناحية أخرى، أشارت بلومبرج إيكونوميكس إلى تباطؤ الاستثمارات وتراجع الاستهلاك الخاص في الربع الثاني، بعد بداية قوية للعام بفعل تسارع الشركات لمواجهة الرسوم.
التضخم والأجور
بلغ معدل التضخم في أغسطس 2.1%، بارتفاع طفيف عن يوليو، بينما استقر المؤشر الأساسي للتضخم عند 2.3% للشهر الرابع على التوالي. ورغم تباطؤ نمو الأجور، إلا أنه لا يزال أعلى من المستوى الذي يحقق استقرار الأسعار.
فرنسا في دائرة القلق المالي
تُعد أزمة المالية العامة في فرنسا مصدر قلق إضافي، بعدما فشلت البلاد في خفض عجز الموازنة، مما أدى إلى إقالة فرانسوا بايرو من منصب رئيس الوزراء. ويتعين على خليفته سيباستيان ليكورنو، وهو خامس رئيس وزراء خلال عامين، كسب دعم البرلمان لمعالجة أكبر عجز مالي في منطقة اليورو.
وأدى هذا الاضطراب إلى ارتفاع تكاليف الاقتراض الفرنسية مقارنة بإيطاليا، رغم أن الأخيرة تتمتع بتصنيف ائتماني أقل. ومن المنتظر أن تُدقق الأسواق في تصريحات كريستين لاجارد بحثًا عن أي مؤشرات على استعداد البنك المركزي للتدخل، رغم أنه من المرجح أن تحافظ على نبرة حذرة.