الأسواق الصينية تخطط لتجاوز الحصار الأميركي وتداعيات كورونا بجذب الاستثمارات الأجنبية
كتب: محمد عوض
ارتفع الاستثمار الأجنبي المباشر في الصين بنسبة 17.6% على أساس سنوي في يناير إلى 15.84 مليار دولار، بحسب بيانات جديدة من وزارة التجارة الصينية، وفق ما أوردت شبكة «سي جي تي إن» الصينية الدولية.
وتوقع «وانج دان» كبير الاقتصاديين في بنك هانج سينج تشاينا، استمرار الزخم الاقتصادي للصين وإقبال المستثمرين من الخارج عليها، لكن ذلك، ليس بدون عواقب، تتمثل في التقلبات.
وأرجع «دان» التقلبات التي تواجه السوق الصيني، إلى سبب مهم يتمثل في إعلان مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي عن العديد من زيادات الفائدة المحتملة في الأشهر المقبلة، لكنه ذكر إن ذلك ليس العامل الوحيد، إلا إن المحصلة ستجعل السوق الصينية تمر بواحدة من أكبر حالات عدم اليقين خلال عقد من الزمان.
وتابع بأنه إذا تم تحقيق هذه الوعود للفيدرالي الأميركي، فقد يندفع رأس المال من الاقتصادات الناشئة ويعود إلى الولايات المتحدة، بالإضافة إلى ذلك، قد تواجه العلاقات الصينية الأميركية مزيدًا من الضغط، وذلك أثناء استعداد كلا البلدان لتغييرات سياسية بنهاية العام.
ويذكر «دان» إن السبب المؤثر الثاني في إمكانية تقلبات السوق الصينية وجاذبيتها للمستثمرين، يتمثل في فيروس كورونا، الذي يعد تأثيره نسبيًا بالنسبة للصين مقارنة بالدول الأخرى، خاصة مع ارتفاع الحالات المصابة في الآونة الأخيرة، رغم الإجراءات الإحترازية القاسية في الصين، حتى في ضوء أولمبياد بكين الشتوي.
ويكمل «دان» ويقول، بشكل عام، وبغض النظر عن التوترات الجيوسياسية، فإن اقتصاد الصين سليم بشكل أساسي، لأنه منذ أن بدأ جائحة كورونا في أوائل عام 2020، كان اضطراب سلاسل التوريد في الصين ضئيلًا عند مقارنته بالاقتصادات الصناعية الأخرى، ويرجع الفضل في ذلك إلى حد كبير إلى السيطرة القوية على تفشي المرض، بعكس ما حدث من إغلاق للمصانع بشكل متكرر في البلدان الأخرى.
لكن هذا أيضًا لا يجعل الصين تنجو دون أن تتأثر، فصحيح أن تأثير الوباء عليها في البداية استطاعت تجاوزه، لكن البلدان الأخرى لم تتجاوزه بسرعة الصين، فهذا أوجد ضغوطًا على الصين في سلاسل التوريد العالمية، لإنتاج ما يكفي من سلع شتى للعالم، وهو أمر ليس بمقدور الصين، لأن الاقتصاد العالمي لاتحركه الصين وحدها، وهو ما أوجد زيادات وتأخيرات في الطلبيات العالمية.
وخير مثال على ذلك صانع السيارات الكهربائية الأميركية تسلا، التي عانت مصانعها في ألمانيا والولايات المتحدة من تأخيرات مستمرة في العامين الماضيين، في حين ضاعف مصنع جيجافكتوري في شنجهاي الإنتاج.
وهذا ما يجعل المحللين يقولون بحسب «دان»، إنه حتى لو انتهى الوباء هذا العام، فإن التعافي الكامل لسلاسل التوريد في أي بلد قد يستغرق سنة إلى سنتين إن لم يكن أكثر.
وفي الوقت نفسه، من المرجح أن يتجه المزيد من الاستثمار إلى الصين للحصول على إمداد مضمون بتكلفة معقولة.
وذكر، إن آفاق النمو المستقر في الصين وبيئة الاقتصاد الكلي، تعدان عوامل جذب رئيسية للمستثمرين العالميين، حيث زاد اهتمام المستثمرين الأجانب بالسوق الصينية، وبالتدليل على ذلك، قال عام 2021، إن حوالي خمس الاستثمار العالمي كان إلى الصين، مما ضاعف حصتها من الاستثمار الأجنبي عن ما كان جتى قبل كوفيد، ولهذا، يراهن المستثمرون العالميون على مستقبل الصين الاقتصادي.
واحتج «دان» بأهمية الصين الاقتصادية العالمية وجاذبيتها للإستثمار الاجنبي، لأنه في وضعٍ جيد لأن تقدم للمستثمرين أمرين، وهما: أصبح السوق المحلي الصيني الوجهة الأكثر أهمية في التخطيط الاستراتيجي للشركات متعددة الجنسيات، بل أنه بعض المستثمرين الأجانب اعتبروا أن استثمارهم في الصين كان أفضل مايكون بعد ظهور جائحة كوفيد-19، لإحكام فترة الإغلاق، فصحيح إن الإغلاق للمصانع والشركات يكون كاملًا وسبب خسائر كبيرة، لكن سرعان ما استطاع المستثمرون تداركها بعد الفتح السريع والعمل بكامل الطاقة الإنتاجية، ما عوض الخسائر بشكل جيد.
في عام 2021 ، نما إجمالي الربح الصناعي للشركات الأجنبية في الصين بأكثر من 25٪ ، متجاوزًا 2 تريليون يوان، وهو رقم قياسي، كان هذا مدفوعًا جزئيًا بالطلب القوي على الصادرات، وجزئيًا بسبب جهود الصين لتحديث هيكلها الصناعي.
ومع ذلك، توقع «دان» ألا تتخذ الصين أي تدابير جذرية في عام 2022 لجذب الاستثمار الأجنبي، وذلك لأن الصين لا تريد “التوسع غير المنضبط لرأس المال”،سواء رأس المال المحلي أو الأجنبي، لأنه على سبيل المثال، لا ترغب الصين في تدفق المزيد من رأس المال إلى قطاع العقارات التجارية، ولكنها ترغب في المزيد في التدفق أكثر لقطاعات الإسكان منخفضة التكلفة أو الإسكان الميسور التكلفة.
وتحجم الصين عن رؤية المزيد من رأس المال في المنصات التي تعتمد فقط على بيع المنتجات الرخيصة، و ترغب بدلًا من ذلك في استثمارات أكثر في مجال التقنيات، مثل الذكاء الاصطناعي والجيل الخامس والبلوك تشاين.
في السنوات الأولى بعد انضمام الصين إلى منظمة التجارة العالمية في عام 2001، جاء المستثمرون الأجانب إلى الصين من أجل العمالة الرخيصة والأراضي، ومع ذلك، بدأت هذه المزايا تتلاشى قبل عقد من الزمن، ثم ارتفعت الصين تدريجياً كأكبر سوق منفرد في العالم مع طبقة وسطى كبيرة وبنية تحتية عالية الجودة، وهذا يعني أنه من المرجح أن يقوم المستثمرون الأجانب باستثمارات طويلة الأجل تستهدف المستهلكين والمنتجين المحليين.
وعندما ينتهي الوباء، ستستأنف سلاسل التوريد العالمية اتجاه الأقلمة حيث تحاول البلدان تأمين بعض الإمدادات في القطاعات الاستراتيجية لتجنب الاعتماد المفرط على الصين، ومع ذلك، نظرًا لإمكانيات السوق الصينية، إلى جانب قدرتها الإنتاجية الموثوقة، فمن المرجح أن تظل الصين عامل جذب رئيسي للمستثمرين العالميين.