
يتوقع خبراء مصرفيون ومحللون أن يُبقي البنك المركزي المصري على أسعار الفائدة دون تغيير خلال اجتماع لجنة السياسة النقدية المقرر عقده غدًا الخميس، في ظل استمرار حالة عدم اليقين بشأن مستويات التضخم محليًا وتطورات الاقتصاد العالمي.
ويرى المحللون أن المركزي قد يفضّل التريث في هذه المرحلة، انتظارًا لانحسار الضغوط التضخمية المتصاعدة التي تشهدها السوق المحلية، خاصة بعد أن واصل التضخم السنوي في المدن المصرية ارتفاعه للشهر الثالث على التوالي، مسجلًا 16.8% في مايو مقابل 13.9% في أبريل.
وتأتي هذه التوقعات في وقت تتجه فيه العديد من البنوك المركزية العالمية إلى وقف مؤقت لقرارات خفض الفائدة، وسط مخاوف من التأثيرات المحتملة للحروب التجارية العالمية على أسعار السلع والتضخم خلال الفترة المقبلة، وهو ما قد يدفع المركزي المصري إلى تبني نهج حذر مماثل.
وكان البنك المركزي المصري قد خفض أسعار الفائدة بمقدار 325 نقطة أساس على مدار الاجتماعين الماضيين، في أول تحرك للتيسير النقدي منذ نحو أربع سنوات، بعد سلسلة من الزيادات الكبيرة التي هدفت إلى احتواء موجة تضخم حادة.
ويبلغ سعر الفائدة حاليًا 24% على الإيداع و25% على الإقراض، وهي مستويات تعكس تشدد السياسة النقدية في مواجهة التحديات الاقتصادية، لكنها تمنح في الوقت نفسه مساحة للتحرك المدروس.
ويرجّح الخبراء أن يعتمد قرار المركزي في المرحلة المقبلة على مؤشرات الأداء الاقتصادي المحلي والتطورات الخارجية، خصوصًا ما يصدر عن الفيدرالي الأمريكي من سياسات قد تؤثر على الأسواق الناشئة ومن بينها مصر.
محمد البيه، الخبير المصرفي، قال إن التوقعات تثبيت سعر الفائدة من قبل البنك المركزي المصري خلال الاجتماع المقبل تستند إلى عدد من العوامل الاقتصادية المهمة، في مقدمتها مسار التضخم الذي شهد تراجعًا تدريجيًا خلال الشهور الماضية، بعد أن بلغ ذروته في عام 2024.
وأوضح البيه أن دورة التشديد النقدي التي اتبعها “المركزي” في الفترات السابقة كانت ضرورية لاحتواء مستويات التضخم المرتفعة، مشيرًا إلى أن قرارات رفع الفائدة ساهمت في امتصاص السيولة الزائدة من السوق، مما ساعد على تهدئة الضغوط السعرية إلى حد كبير.
وأضاف أن معدلات التضخم بدأت بالفعل في التراجع منذ نهاية 2024، رغم تسجيل بعض الارتفاعات الشهرية المؤقتة مؤخرًا، إلا أن الاتجاه العام يظل في نطاق التباطؤ، وهو ما قد يدعم قرارًا بالإبقاء على الفائدة دون تغيير، في ظل غياب أي صدمات سعرية مفاجئة.
وأشار البيه إلى أن البنك المركزي المصري يتبع نهجًا مرنًا يعتمد على دورة واضحة من التيسير والتشديد وفقًا لمتغيرات السوق، لكنه في الوقت نفسه يولي اهتمامًا كبيرًا باستقرار السوق النقدي وتحقيق التوازن بين السيطرة على التضخم ودعم النشاط الاقتصادي.
وأكد أن استمرار التثبيت خلال الفترة الحالية قد يكون مناسبًا، خاصة في ظل تراجع الضغوط التضخمية عالميًا وتحسن تدفقات النقد الأجنبي، إلى جانب السياسات الحكومية التي تستهدف احتواء الأسعار وتعزيز الاستقرار المالي.
وشدد على أهمية مراقبة التطورات الدولية، خاصة قرارات الفيدرالي الأمريكي، لما لها من تأثير مباشر على اتجاهات السياسة النقدية في الأسواق الناشئة.
ومن جانبه يرى هاني جنينة، رئيس قطاع البحوث بشركة “الأهلي فاروس”، أن تثبيت أسعار الفائدة هو السيناريو الأقرب في الاجتماع المقبل للبنك المركزي، مرجعًا ذلك إلى استمرار التوترات الجيوسياسية، وعدم استقرار الأوضاع الخارجية، بالإضافة إلى ضغوط داخلية متوقعة، أبرزها الزيادة المرتقبة في أسعار الكهرباء والغاز مع بداية يوليو.
وأشار جنينة إلى أن الحكومة ألغت قرار خفض أسعار الكهرباء للقطاع الصناعي، وهو ما سيزيد الأعباء على الشركات، ويرجح معه انتقال أثر هذه الزيادات إلى المستهلك النهائي.
وأضاف أن هناك دراسة حالية لرفع أسعار الغاز الطبيعي للمصانع بزيادة تقدر بدولار واحد لكل مليون وحدة حرارية بريطانية، بدءًا من الشهر الجاري، وفق تصريحات سابقة لمسؤول حكومي، وهو ما سيزيد معدلات التضخم بسبب الارتفاعات المتوقعة في الأسعار.
رغم ترجيحه لقرار التثبيت، لم يستبعد جنينة عودة البنك المركزي لمسار التيسير النقدي في اجتماع أغسطس المقبل، بشرط تحقق عدة عوامل، تشمل: استقرار الأوضاع الإقليمية، و تراجع أسعار النفط عالميًا، و تحسن تدريجي في سعر صرف الجنيه ليستقر عند مستوى 48 جنيهًا للدولار، و استئناف حركة الملاحة بكامل طاقتها عبر قناة السويس.
ويعزز هذا التوجه ما ورد في بيان المركزي المصري في 22 مايو الماضي، والذي توقع فيه استمرار التراجع في معدل التضخم السنوي خلال النصف الثاني من عام 2025 وحتى عام 2026، استنادًا إلى تراجع معدلات التضخم العام والأساسي.
وفي سياق متصل من جانبه، يرى مصطفى شفيع، رئيس قسم البحوث بشركة “عربية أون لاين”، أن البنك المركزي سيتجه لتثبيت الفائدة، أسوةً بسياسة الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، مشيرًا إلى ما وصفه بـ”التحذيرات المباشرة من مؤسسات مالية دولية” بضرورة التريث في اتخاذ أي خطوات نحو خفض إضافي في الفائدة.
وأوضح أن صندوق النقد الدولي شدد على ضرورة التباطؤ في هذا المسار، في ظل ما تشهده الساحة العالمية من ضبابية، متأثرة بقرارات تجارية اتخذتها الولايات المتحدة مؤخرًا، وفقًا لما ذكره جهاد أزعور، مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى بالصندوق.
واعتبر أن التوقيت الحالي لا يدعم أي خفض جديد على أي مستوى، سواء عالميًا أو محليًا، مضيفًا أن كل التوقعات السابقة كانت تشير إلى أن المركزي المصري قد يخفض أسعار الفائدة بنحو 6% خلال عام 2025، وقد قطع بالفعل نصف هذا الطريق، مما يمنحه مرونة كافية للتريث وانتظار تحسن الصورة الاقتصادية في النصف الثاني من العام.