
ارتفعت نسبة توظيف القروض للودائع في البنوك المصرية إلى 62.5% بنهاية ديسمبر، مقارنة بـ54% في ديسمبر 2023، بزيادة قدرها 8.5%، وذلك وفقًا لمؤشرات أداء القطاع المصرفي خلال عام 2024.
أسباب نمو توظيف القروض
ويعكس هذا النمو تحوّلات اقتصادية ومالية متشابكة، أبرزها زيادة الطلب على التمويل بسبب التضخم، وتراجع قيمة الجنيه، إلى جانب الدور المحوري الذي لعبته السياسات الحكومية والمصرفية في دعم الإقراض وتوجيهه نحو قطاعات استراتيجية مثل الصناعة، البنية التحتية، والسياحة.
وقال أحمد أبو الخير، الخبير المصرفي، إن هذا الارتفاع يعكس ديناميكيات اقتصادية ومالية متعددة، إلى جانب سياسات نقدية واستثمارية ساهمت في تعزيز الإقراض، ومن أبرز هذه العوامل: ارتفاع الطلب على التمويل نتيجة التضخم وتراجع قيمة الجنيه. فمع استمرار الضغوط التضخمية وتحرير سعر الصرف خلال السنوات الأخيرة، واجهت الشركات والأفراد زيادات كبيرة في تكاليف التشغيل والمعيشة، مما دفع العديد منهم إلى اللجوء للقروض البنكية لتغطية احتياجاتهم المالية، خاصةً في ظل ارتفاع فاتورة الاستيراد نتيجة انخفاض قيمة الجنيه أمام الدولار.
ارتفاع الطلب على التمويل البنكي
وأضاف أن السياسات الحكومية ساهمت في تعزيز الطلب على التمويل البنكي من خلال دعم مشروعات البنية التحتية، والصناعة، والزراعة، مشيرًا إلى أن مبادرات مثل “تطوير المناطق الصناعية” و”حياة كريمة” شجعت البنوك على ضخ المزيد من القروض في هذه القطاعات.
ورغم التحديات الاقتصادية، شهدت بعض القطاعات، مثل السياحة والاتصالات، تعافيًا ملحوظًا، ما زاد من احتياجاتها للتمويل بهدف التوسّع أو تطوير البنية التحتية. هذا التعافي ساهم في التخفيف من أثر ارتفاع أسعار الفائدة على الطلب على القروض.
وتوقع أبو الخير أن تستمر نسبة توظيف القروض للودائع في الارتفاع الطفيف أو الاستقرار حول 63-65% بنهاية عام 2025، استنادًا إلى احتمالية خفض أسعار الفائدة من قِبل البنك المركزي نتيجة تراجع التضخم واستقرار سعر الصرف. وأشار إلى أن الطلب على القروض قد يشهد مزيدًا من النمو، مدعومًا باستمرار السياسات الحكومية الداعمة للاستثمار والمشروعات القومية الكبرى.
وأوضح أن قطاع البنية التحتية والإنشاءات من أبرز المستفيدين من التمويلات البنكية، في ظل استمرار تمويل مشروعات قومية كبرى مثل العاصمة الإدارية الجديدة، وتطوير الطرق والكباري، ومبادرة “حياة كريمة”، التي تتطلب استثمارات ضخمة.
توفير سيولة لمشروعات القطاع الخاص
وأضاف أن مشاركة القطاع الخاص في هذه المشروعات دفعت البنوك لتوجيه نسب كبيرة من السيولة لدعمها.
وفي السياق ذاته، قال إن القطاع العقاري شهد نموًا كبيرًا خلال عام 2024، نتيجة الطلب المتزايد على الوحدات السكنية والتجارية، خاصة في المدن الجديدة. وقد اعتمدت شركات التطوير العقاري على القروض لتمويل مشروعاتها، مما جعل القطاع العقاري من بين الأعلى في نسب توظيف الائتمان البنكي.
وأشار إلى أن الشركات الصغيرة والمتوسطة استفادت بشكل كبير من مبادرات الحكومة والبنك المركزي، وحصلت على حصة وافية من التمويلات. وتُعد هذه الشركات العمود الفقري للاقتصاد المصري، وقد لجأت إلى القروض لتغطية تكاليف التشغيل والتوسع، في ظل ارتفاع تكلفة الإنتاج.
مبادرات تعزيز الإنتاج المحلي
وفي ما يخص القطاع الصناعي، أكد أن الحكومة قد أطلقت عدة مبادرات لتعزيز الإنتاج المحلي والتصدير، ما زاد من حاجة الشركات الصناعية للقروض لشراء المواد الخام، وتحديث المعدات، وزيادة الطاقة الإنتاجية.
أما في قطاع السياحة، فقد شهد انتعاشًا ملحوظًا في عام 2024، ما دفع شركات السياحة والفنادق إلى الاقتراض لتحسين البنية التحتية، وزيادة الطاقة الاستيعابية، وتطوير الخدمات، خاصة في ظل ارتفاع أعداد السياح الوافدين وتحسن الإيرادات بالعملة الأجنبية.
من جانبه، قال محمد السيد، الخبير المصرفي، إن ارتفاع نسبة توظيف القروض للودائع يعود إلى مجموعة من العوامل الاقتصادية والمصرفية، من أبرزها:
تأثير التضخم وزيادة الطلب على القروض
أدى ارتفاع أسعار السلع والخدمات بأكثر من 100% في بعض القطاعات خلال 2024 إلى لجوء الأفراد والشركات للاقتراض لتغطية نفقاتهم الأساسية، مثل العقارات والسيارات، أو الحفاظ على سير العمليات التشغيلية في الشركات.
مبادرات البنك المركزي لدعم التمويل
ارتفعت تمويلات المشروعات الصغيرة والمتوسطة بنسبة 388% بين عامي 2015 و2024، نتيجة برامج التمويل الميسر.
توقعات بخفض الفائدة
التوقعات بانخفاض أسعار الفائدة خلال الفترة المقبلة دفعت العملاء للإسراع في الاقتراض قبل ارتفاع تكاليف التمويل مستقبلاً.
إعادة هيكلة سياسات الإقراض
قامت بعض البنوك بإعادة تصميم استراتيجيات الإقراض بما يتماشى مع احتياجات السوق، مع التركيز على القروض الشخصية والمشروعات الصغيرة.
زيادة الطلب من القطاع الخاص
التحسن النسبي في الاقتصاد دفع العديد من الشركات إلى التوسع وطلب تمويلات جديدة.
تحسن بيئة الأعمال
المشروعات القومية الكبرى مثل رأس الحكمة والعلمين والعاصمة الإدارية رفعت من وتيرة الطلب على التمويل في قطاعات استراتيجية.
انخفاض جاذبية الشهادات الادخارية
دفع انخفاض العوائد على الشهادات طويلة الأجل البنوك إلى توظيف السيولة في الإقراض بدلًا من الادخار.
التضخم وتقلبات العملة
سعَت الشركات والأفراد للحصول على قروض للحفاظ على القيمة الحقيقية لأموالهم وسط ارتفاع أسعار السلع.
تحسن التصنيف الائتماني النسبي للقطاع المصرفي:
النظرة المستقرة من وكالات التصنيف العالمية عززت من قدرة البنوك على التوسع في الإقراض.
توقعات عام 2025
توقع السيد أن تستمر نسبة توظيف القروض للودائع في الصعود خلال عام 2025، لتصل إلى 67%-70%، مدفوعة باستمرار التوسع في المشروعات القومية، وزيادة النشاط الاستثماري، وتركّز الحكومة على تحفيز القطاع الصناعي.
وأشار إلى أن خفض الفائدة وتراجع التضخم سيشجعان مزيدًا من الأفراد والشركات على الاقتراض لتوسيع مشروعاتهم أو إطلاق مشروعات جديدة، كما سيُعاد توجيه التمويلات بشكل أكبر إلى القطاعين الصناعي والزراعي.
وتوقع أن تشهد محفظة القروض نموًا يتراوح بين 12% و18% خلال 2025، خصوصًا بعد المبادرة الحكومية التي أعلنت عنها المجموعة الوزارية للتنمية الصناعية، والتي تتضمن تقديم 30 مليار جنيه لتسهيل شراء الآلات والمعدات وخطوط الإنتاج لتعزيز النمو.